هذه الترجمة قد لا تعكس التغييرات التي تم إدخالها منذ 2021-07-21 على النسخة الإنجليزية اﻷصلية.
من المستحسن أن تلقي نظرة على هذه التغييرات. من فضلك، راجع تعليمات الترجمة للحصول على المعلومات المتعلقة بتسليم وتنسيق ترجمات هذه المقالة.
الحقوق المتروكة: المثالية العملية
بقلم ريتشارد ستالمان
كل قرار يتخذه الإنسان ينبع من قيمه وأهدافه. وللناس أهداف وقيم مختلفة مثل الشهرة، الربح، الحب، البقاء على قيد الحياة، المرح، أو الحرية، وهذه ليست سوى بعض الأهداف التي قد يملكها شخص جيد. عندما يكون الهدف مسألة مبدأ، فإننا ندعو ذلك المثالية.
من خلال عملي في البرمجيات الحرة، فإنني أسعى إلى تحقيق هدف مثالي: وهو نشر الحرية والتعاون. أريد أن أساهم في توسيع رقعة البرمجيات الحرة حتى تحل محل البرمجيات الاحتكارية التي تحظر التعاون، وبالتالي خلق مجتمع أفضل.
هذا هو السبب الأساسي لكتابة رخصة جنو العمومية على هذا النحو —بمثابة رخصة حقوق متروكة. فكل كود يضاف لبرنامج خاضع لرخصة جيبيإل يجب أن يكون حراً، حتى ولو تم وضعه في ملف منفصل. شخصياً، فإني أجعل أكوادي متوفرة للاستخدام في البرمجيات الحرة، وليس في البرمجيات الاحتكارية، حتى أشجع المطورين الآخرين على جعل برمجياتهم حرة كذلك. بما أن مطوري البرمجيات الاحتكارية يستخدمون حقوق الملكية الفكرية لمنعنا من المشاركة، فإننا نحن المتآزرين نستطيع استخدام حقوق الملكية الفكرية لإعطاء المتعاونين الآخرين ميزة خاصة بهم، وذلك من خلال السماح لهم باستخدام اﻷكواد التي نقوم بتطويرها.
ليس كل من يستخدم رخصة جنو العمومية يسعى لتحقيق هذا الهدف. قبل سنوات عديدة، طُلب من صديق لي إعادة إصدار برنامج متروك الحقوق وفقاً لشروط رخصة غير متروكة الحقوق، وقد كان رده على ذلك يشابه ما يلي:
“أعمل أحياناً على برامج حرة، وأحياناً أخرى على برامج احتكاريه—لكن عندما أعمل على برامج احتكارية، فإني أتوقع أن أتقاضى أجراً مقابل ذلك.”
لقد كان على استعداد لتقاسم عمله مع من يتقاسمون برامجهم مع اﻵخرين، لكنه لم ير أي سبب للتصدق على مُصنّع منتجات تجارية ستؤدي لإقصاء أفراد مجتمعنا. ورغم كون هدفه مختلفاً عن هدفي، فإنه اعتبر رخصة جنو جيبيإل مفيدة لهدفه أيضاً.
إذا كنت تريد تحقيق شيء ما في العالم، فإن المثالية غير كافية. لتحقيق هدفك، عليك اختيار أسلوب ناجع. بعبارة أخرى، فإنك تحتاج لأن تكون “واقعياً.”. هل رخصة جيبيإل رخصة عملية؟ دعونا نلقي نظرة على نتائجها.
لننظر إلى جنو سي++. لماذا نتوفر على مُصَرّف سي++ حُر؟ فقط لأن رخصة جنو جيبيإل تنص على ذلك. طُوّر جنو سي++ من قبل ائتلاف شركات صناعية يحمل اسم MCC، بدءاً بمُصرف جنو سي. وفي العادة، فإن الائتلاف السابق الذكر يحاول قدر الإمكان إصدار أعماله تحت رخص احتكارية. لكنه جعل واجهة سي++ الأمامية برنامجاً حراً، لأن رخصة جنو جيبيإل تقول بأن تلك هي الإمكانية الوحيدة لإصدار الواجهة. وقد شملت واجهة سي++ الأمامية العديد من الملفات الجديدة. لكن، منذ كان من المفترض أن تكون مرتبطة بتجميعة مصرفات جنو، فإن رخصة جيبيإل تنطبق عليها. والفائدة لمجتمعنا واضحة وضوح الشمس.
لننظر إلى "جنو أوبجكتف سي". في البداية، كانت NeXT تنوي جعل هذه الواجهة الأمامية احتكارية؛ واقترحت إصدارها كملفات .o، والسماح للمستخدمين بربطها مع تجميعة مصرفات جنو، متصورة بذلك بأنها ستتهرب من شروط رخصة جيبيإل. لكن محامينا قالوا بأن اﻷمر ليس كذلك، وبأن تلك الخطوة تعد عملاً غير مشروع. وبالتالي، فقد اضطرت NeXT لجعل الواجهة الأمامية لأوبجكتف سي برنامجاً حراً.
لقد مرت عدة سنوات على هذه الأمثلة، لكن رخصة جنو جيبيإل لا زالت تجلب لنا المزيد من البرمجيات الحرة.
تخضع العديد من مكتبات جنو لرخصة جنو العمومية الصغرى، ولكن ليس كلها. فمكتبة Readline مثلاً، التي تُستخدَمُ لإنجاز مهام تعديل أسطر الأوامر، تعد إحدى مكتبات جنو الخاضعة لرخصة جنو جيبيإل العادية. وجدت مرة برنامجاً احتكارياً صمم لاستخدام Readline، وقلت للمطور بأن هذا أمر غير مسموح به. كان بإمكانه إزالة تعديل أسطر الأوامر من البرنامج، ولكنه اختار إعادة الإصدار بموجب رخصة جيبيإل. واﻵن، فإنه قد أصبح من البرمجيات الحرة.
غالباً ما يكون المبرمجين الذين يدخلون تحسينات على تجميعة مصرفات جنو (أو ايماكس، أو باش، أو لينكس، أو أي برنامج خاضع لرخصة جيبيإل) موظفين عاملين في جامعات أو شركات خاصة. عندما يريد المبرمج رد الجميل لمجتمع المطورين من خلال إمداده بالتحسينات التي توصل إليها، ويرى كوده في الإصدار الموالي، فإن رئيسه قد يقول، “توقف عندك—هذا الكود الذي طورته ملك لنا! لا نريد أن تتقاسمه مع اﻵخرين؛ لقد قررنا تحويل إصدارك المنقح إلى مُنتَج برمجي احتكاري.”
هنا تأتي رخصة جنو جيبيإل لإنقاذ الموقف. حيث يبين المبرمج لرئيسه بأن هذا المنتج من البرمجيات الاحتكارية، وأنه يخرق حقوق الملكية الفكرية. و يدرك الرئيس عندها بأنه أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: إصدار كود جديد كبرنامج حر، أو عدم إصدار أي شيء على الإطلاق. وفي معظم اﻷحيان، فإنه يسمح للمبرمج يفعل ما كان ينوي القيام به، ويدمج الكود في الإصدار الموالي.
ليست رخصة جنو السيد اللطيف. فهي تقول لا لبعض الأمور التي يريد الناس القيام بها أحياناً. هناك من المستخدمين من يقول بأن هذا شيء سيء— وبأن رخصة جيبيإل “تقصي” بعض مبرمجي البرامج الاحتكارية “الذين نحتاج لخبرتهم في مجتمع البرمجيات الحرة.”
ولكننا لا نطردهم من مجتمعنا، بل هم من يختارون عدم الولوج إليه. فتصميمهم على تطوير البرمجيات الاحتكارية يعني أنهم قرروا البقاء بعيدا عن مجتمعنا. أن تكون في مجتمعنا يعني أن تنضم إلينا وتتعاون معنا، ونحن لا نستطيع “ضمهم إلى مجتمعنا” إذا كانوا لا يرغبون في الانضمام إليه.
ما يمكننا فعله هو أن نقدم لهم حافزاً للإنضمام. إن رخصة جنو جيبيإل مصممة للتحفيز اعتماداً على برمجياتنا الحالية: “إذا جعلت برنامجك حراً، فسيمكنك إستخدام هذا الكود” هذا الحافز لن يمكننا من ربحهم جميعاً، لكنه سيمكننا من ربح بعضهم أحياناً.
تطوير البرمجيات الاحتكارية لا يساهم في تعزيز مجتمعنا. لكن مطوري هذه البرمجيات غالباً ما يريدون منا تقديم يد العون لهم. بإمكان مستخدمي البرمجيات الحرة مكافأة مطوري البرمجيات الحرة بشكل معنوي من خلال إعرابهم عن —التقدير والامتنان— لما يقومون به. ولكن، قد يكون اﻷمر مغرياً جداً حين تقول لك شركة ما: “دعنا نضع حزمتك في برنامجنا الاحتكاري، وسيستخدم برنامجك من قبل الآلاف من الناس!” يمكن أن يكون الإغراء قوياً، ولكننا سنكون أفضل حالاً على المدى البعيد إن قاومنا هذا الإغراء.
الإغراء والضغط أصعب إدراكاً عندما يأتيان بشكل غير مباشر، عبر منظمات للبرمجيات الحرة تتبنى سياسات موجهة لتموين البرمجيات الاحتكارية. إن ائتلاف أكس (وائتلاف Open Group الموالي) يعد مثالاً حياً لهذا النوع من المنظمات: فقد مُوّل من قبل شركات مصنعة للبرمجيات الاحتكارية. وخلال عقد كامل، بذلت هذه الشركات كل ما في وسعها لإقناع المبرمجين بعدم استخدام رخصة الحقوق المتروكة. وعندما حاول ائتلاف Open Group أن يجعل برنامج X11R6.4 برنامجاً احتكارياً، فإن أولئك الذين صمدوا للضغط من بيننا كانوا سعيدين لقيامهم بذلك.
في سبتمبر 1998، بعد عدة أشهر من صدور X11R6.4 وفق شروط توزيع احتكارية، تراجع ائتلاف Open Group عن قراره وأصدر البرنامج تحت نفس رخصة الحقوق المتروكة الحرة التي استخدمت لإصدار X11R6.3. شكراً لائتلاف Open Group — لكن هذا التراجع لا يعكس الخلاصات التي توصلنا إليها عن إمكانية إضافة تقييدات جديدة من قبل جهات ثالثة.
عملياً، فإن التفكير في الأهداف البعيدة المدى سيقوي إرادتك لمقاومة هذا الضغط. إذا ركزت على الحرية والمجتمع الذي يمكنك بناؤه من خلال التشبث بمواقفك، فإنك ستجد القوة اللازمة لتحقيق ذلك. “ تشبث بموقف معين، وإلا فإنك ستسقط أمام أول عقبة تواجهك.”
وإذا استخف الساخرون بالحرية والمجتمع…إذا ادعى “الواقعيون المتعجرفون” بأن الربح هو الهدف اﻷسمى…فما عليك إلا بتجاهلهم واستخدام رخص الحقوق المتروكة.
نُشرت هذه المقالة في برمجيات حرة، مجتمع حر: مقالات مختارة بقلم ريتشارد ستولمن.